المقالات

التحول الرقمي في المؤسسات الخيرية والصناديق العائلية

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

في زمن تتسارع فيه الخطوات التقنية، لم يعد التحول الرقمي خيارًا ترفيهيًا أو خطوة تجميلية للمؤسسات، بل أصبح ضرورة إستراتيجية تفرضها طبيعة العصر ومتطلباته. فإذا كانت الشركات التجارية تسعى لتعزيز كفاءتها وربحيتها من خلال الأدوات الرقمية، فإن المؤسسات الخيرية والصناديق العائلية اليوم مطالبة هي الأخرى بأن تسلك هذا الطريق ليس من باب المواكبة فقط، بل من أجل تعظيم أثرها المجتمعي وتحقيق رسالتها بأقل جهد وأعلى كفاءة.

وعند الحديث عن المؤسسات الخيرية والصناديق العائلية، فإننا نتحدث عن كيان يملك إرثًا اجتماعيًا عالياً، ويعتمد بشكل مباشر على ثقة المجتمع والداعمين وأفراد الأسرة. هذه الثقة اليوم لم تعد تُبنى بالأنشطة التقليدية فقط، بل تُقاس بمدى شفافية المؤسسة أو الصندوق وقدرتهم على إدارة مواردهم ومشاريعهم بطرق حديثة. ومن هنا تبرز أهمية التحول الرقمي ولعلنا نسرد بعض النقاط المهمة في ذلك.

 

أولًا: إدارة التبرعات والموارد المالية إلكترونيًا

أحد أبرز التحولات الرقمية يتمثل في إدارة التبرعات عبر أنظمة الدفع الإلكتروني والمنصات الرقمية. فالمتبرع اليوم يريد أن يقدم مساهمته بخطوات سهلة وسريعة، كما أنه يرغب بمتابعة أثر تبرعه بشكل لحظي.

  • على سبيل المثال: حينما يدخل المتبرع على منصة إلكترونية لصندوق عائلي ويجد لوحة متابعة توضّح المشاريع الجارية ونسبة الإنجاز، سيشعر بالاطمئنان والرضا تجاه مساهمته.
  • كذلك فإن الأنظمة الإلكترونية تتيح تقارير مالية دقيقة تحفظ حق المتبرع، وتمنع أي لبس أو شك حول إدارة الأموال.

ثانيًا: الحوكمة والشفافية الرقمية

تعد الحوكمة الرقمية من أعمدة النجاح لأي مؤسسة خيرية أو صندوق عائلي، حيث تتيح تقنيات التحول الرقمي لوحات متابعة تعرض البيانات بشكل شفاف أمام مجلس الأمناء أو الأعضاء.

  • مثلًا: يمكن لكل عضو في مجلس الأمناء الاطلاع على تفاصيل المشاريع، العقود، والمصاريف عبر تطبيق مخصص، بدل الاعتماد على تقارير ورقية قد تتأخر أو تُفقد.
  • هذا المستوى من الشفافية يعزز الثقة الداخلية والخارجية، ويجعل المؤسسة أو الصندوق أكثر قدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على بيانات دقيقة.

 

ثالثًا: تعزيز التواصل مع المجتمع والمستفيدين

لم يعد التواصل مع المجتمع مقتصرًا على اللقاءات المباشرة أو النشرات الورقية. فالمنصات الرقمية اليوم هي الجسر الأسرع والأوسع للوصول إلى الجمهور.

  • المؤسسات الخيرية والصناديق العائلية يمكنها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث أنشطتها ومشاريعها مباشرة، مما يخلق حالة من التفاعل الحي مع المجتمع.
  • مايخص الصناديق العائلية أيضاً يمكنها بناء تطبيق خاص للعائلة، يُعلن من خلاله عن المناسبات، الفعاليات، أو القرارات، مما يعزز من تماسك الأسرة ويضمن وصول المعلومة للجميع.

 

رابعًا: توظيف البيانات لاتخاذ قرارات استراتيجية

التحول الرقمي لا يعني فقط التحول في طريقة الإدارة، بل يشمل أيضًا الاستفادة من البيانات الضخمة.

  • من خلال جمع بيانات حول الفئات المستهدفة، يمكن للمؤسسة أو الصندوق معرفة أولوياته: هل يحتاج إلى مشاريع تعليمية أكثر؟ أم برامج تمكين اقتصادي؟
  • كذلك يمكن تتبع أثر المشاريع المنفذة بالأرقام والإحصاءات، بدل الاعتماد على الانطباعات الشخصية. هذا ما يجعل القرارات أكثر واقعية وأقرب إلى احتياجات المجتمع.

 

خامسًا: الأمن السيبراني وحماية المعلومات

كلما زاد الاعتماد على الحلول الرقمية، زادت الحاجة إلى حماية البيانات. فالمؤسسات الخيرية والصناديق العائلية تحتفظ ببيانات حساسة تخص المتبرعين والمستفيدين وأعضاء الأسرة.

  • لذلك لا بد من بناء أنظمة حماية قوية، واعتماد بروتوكولات أمان مثل التشفير والمصادقة الثنائية.
  • وقد شهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن اختراق البيانات لم يعد يقتصر على الشركات الكبرى، بل طالت الهجمات مؤسسات خيرية حول العالم، وهو ما يجعل الأمن السيبراني ركيزة أساسية للتحول الرقمي الناجح.

 

ولعلنا قبل الختام نعبر ببساطة خلاصة ونقول إن التحول الرقمي في المؤسسات الخيرية والصناديق العائلية ليس مجرد تحديث للأدوات أو استخدام للتقنيات الحديثة، بل هو فلسفة عمل جديدة تجعل المؤسسة أكثر كفاءة، وأكثر شفافية، وأقرب للمجتمع الذي تخدمه.

وإذا كان نجاح المؤسسة الخيرية أو الصندوق العائلي يقاس بقدرته على تحقيق رسالته الاجتماعية، فإن التحول الرقمي اليوم هو الأداة التي تعظم هذا النجاح، وتمنحه بُعدًا جديدًا من التأثير والاستدامة.

 

ولذلك فإن كل مؤسسة خيرية أو صندوق عائلي لم يبدأ بعد في رحلة التحول الرقمي، هو في الحقيقة متأخر خطوة إلى الوراء في عالم لا ينتظر المتأخرين.

 

يقلم / م.عبدالله السويلم 

الأثنين 29سبتمبر   2025م 

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

زر الذهاب إلى الأعلى