المقالات

وحش الظروف

منذ نعومة اظافرنا نتطلع كل يوم لتحقيق حلم جديد وهدف مختلف، ومن ثم يبدأ كل منا في التطلع للنجاح والسعي لتحقيق أهداف ذات قيمة اكبر سواء كان ذلك في الحياة الشخصية أو المهنية… تلك التطلعات والأحلام هي القوة الدافعة لحياتنا والنجمة المضيئة التي تضيء دربنا. ومن الطبيعي تتدرج هذه الأهداف بتدرج أعمارنا واهتماماتنا، وكلما كبرنا وتطورنا كبرت تلك الأحلام والتطلعات وتطورت معنا. لكن مع مرور الوقت وفي كل مرحلة من النضج يقابلك تعرجات وعثرات قد تبطئ من سرعتك… أو تقضي عليها بالكامل.

تلك العثرات مع مرور الوقت تصبح فجوات كبيرة تتسع باتساع أحلامنا وأمانينا. وبالرغم من أن بعض الأحلام حينها قد تتبدد أو تتغير، لكن الطموح والرغبة في التطور دائماً موجودة. فمن المسلم به أن تحقيق الأهداف ليس مساراً مستقيماً، بل متاهة معقدة تحتاج إلى إصرار وصبر. ومهما كانت التحديات التي نواجهها، يجب علينا الاستمرار في السعي نحو النجاح وتحقيق أحلامنا. بالإضافة إلى أن تلك العثرات ما هي إلا تجارب تصقلنا وتشكل جزءاً لا يتجزأ من رحلتنا نحو النجاح وتحقيقه وكثيراً ما قد تكون داعم وحافز لنا، إلا أنها قد تُشعرنا أحياناً بالإحباط وتثير الشك في قدرتنا على التقدم.

فالكثير منا ينظر إلى هذه الفجوات كونها وحش لا يمكننا القضاء عليه أو الوقوف أمامه، لكن ما نجهله حقاً أن هذه الفجوات ليست نهاية الطريق، بل إنها فرصة للنظر بعمق فيما نحتاج إلى تحسينه وتغييره. بالإضافة إلى أنه من السهل جداً القضاء عليها والتخلص منها وملئ كل تلك الفجوات بنجاح وتطور يعيد للطريق استقامته، وذلك هو الأساس الذي يُمكننا من خلاله بناء مستقبل أفضل.

وعندما نصبح أقوياء بفعل تلك العثرات، ينمو داخلنا نوع من الصمود والقوة العقلية… تلك القوى هي القدرة على مواجهة التحديات مجدداً ومواصلة السعي نحو أحلامنا. لذا، وبغض النظر عن الصعوبات التي نواجهها يوماً بعد يوم لكن السعي والاستمرارية هي ما يصلح الأمر، فكلما تركنا خلفنا هذه العثرات وتفوقنا في تحقيق أهدافنا، سيكتسب داخلنا قوة عقلية لا تُقهر تؤدي إلى تحقيق التغييرات العميقة في حياتنا. وندرك حينها أن النجاح ليس مجرد وجهة نهائية، بل هو رحلة مستمرة من النمو الشخصي والتطور المهني.

وعلى الرغم من أننا جميعاً نسعى وباستمرار لنملأ هذه الفجوات في حياتنا إلا أننا لا ننسى كم الألم والمعاناة التي نعيشها في رحلتنا هذه. ذلك الألم والمعاناة الذي نجتازه في رحلتنا ما هو إلا عادةً مكملةً لنجاحنا، فتعلمنا من تلك التجارب الصعبة يُمكن أن يُضيف قيمة كبيرة إلى نمونا الشخصي ومسارنا المهني. لكن وعندما تنتهي وتزول هذه الفجوات ويتم تكليلها بالنجاح، ينتهي معها كل ألم وكل شعور سيء عشناه ونرى قيمة كل سقطة وكل عثرة.

وفي النهاية عثرات الطريق لا تعرقل مسارنا بل تشكل جزءًا من رحلتنا نحو النمو والتحول. إنها فرصة لتقوية عزيمتنا وصقل قدراتنا. والسعي المتواصل والاستمرارية هما المفتاح لإصلاح تلك الفجوات والمضي قدمًا نحو تحقيق أحلامنا. وهي طريقة الحياة لتذكيرنا بأننا بحاجة إلى تطوير أنفسنا وتغيير تصوراتنا القديمة. وعندما ننظر إلى هذه العثرات على أنها فرص للتحسن، سنكتشف المواهب والإمكانات داخلنا التي ربما لم نكن ندركها من قبل.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

السبت 06 يناير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى