المقالات

الضمير الخط الأحمر

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

الضمير… تلك الوسيلة التي يظل الإنسان واقفاً بها على الخط الفاصل بين ما هو صواب وما هو غير ذلك، وبين ما يمكن قبوله وما لا يمكن قبوله، وكذلك بين ما هو حق وما يخرج عن الحق، وفي ظل مبادئ وشرائع لا يمكننا التنازل عنها، وهو ما يعتبر خطاً أحمر لا يمكننا تجاوزه في معاملاتنا وتعاملاتنا… وكل خلاف مع هذه المبادئ يعتبر صراعاً بين الأخلاق والقيم، مما يخلف شعوراً بالندم يسببه الضمير.

لكن عندما ينفصل الضمير عن الإنسانية ويتوقف عن عمله، بالطبع سنفقد مكوناً مهما وأساسياً من مكونات الإنسانية والأخلاق والقيم. وحتى إن كنا مثقفين فحتى الثقافة في غياب الضمير جهل، وغياب الضمير في الدين تضليل، وغيابه في العدالة ظلم وقهر …فالمثقف بدون ضمير قادراً على إفساد جيلاً كاملاً، والعالم بدونه يُضِلُّ أمة بأكملها، وكذلك القاضي بدونه سيُفسد العدالة وينشر الظلم بين العباد.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل الجميع يمتلك هذا الضمير الذي يعتبر هو محور التقاطع بين عنصر الخير والشر في حياتنا؟ أم أن البعض يمتلكه، والبعض الآخر قام بتعطيله قصداً ليطلق العنان كاملاً لتصرفاته دون لجام يحكمها؟

ولكن الغريب هنا أننا أصبحنا حقاً نفتقد لأصحاب الضمائر الحية، وأصبحت الميتة منها هي المطلوبة وبشدة داخل سوق البشرية بل ويزداد الطلب عليها يومًا بعد يوم، لذا ومع كامل الأسف أصبح الضمير عملة العصر النادرة وبات الإنسان مُجرد خادم لرغباتهِ، وأصبحت المصالح هي الغالبة والمُسيطرة، وبات الاستغلال والكذب والازدواجية شعار دائم التردد من الكثيرين للوصول إلى مآربهم. وذلك لأن قلة من القليل منا هو ما يسعى للحفاظ على ضميره حياً، حتى وإن أوجعه بين الحين والأخر نتيجة تعطيله مرة أو مرتين في الحياة في مرحلة طيش وضعف من المراحل، ومن أجل مصلحة من المصالح التي تضعف أمامها ليظل هذا الوجع يذكره بأن ما قام به خطأ ولا يمكن تكراره وإن أمكن فعليه إصلاحه.

ويظل الضمير الحي هو عملة عصرنا النادرة التي يبحث عنها الجميع ويتخلى عنها الكثير في ظل انتشار الضمائر الميتة، فالضمير هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين الشعور بالندم والاتساق مع الأخلاق والتصالح مع الذات لخلق توازن يضمن الثقة بين الأفراد ويحمي المجتمع والقيم من الانهيار ومن خلاله تُضمن الحقوق وتتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية،

فالحفاظ على الضمير الحي وتشجيعه يعزز الثقة بين الأفراد ويحمي المجتمع والقيم الأخلاقية. حيث إنه يضمن أن يتعامل الأشخاص مع بعضهم البعض بصدق وتفهم واحترام. فالضمير الحي يوجهنا لاتخاذ القرارات الصائبة والعدل والتسامح في التعامل مع الآخرين.

وكذلك يكون الضمير الحي هو الشرطي الحقيقي وهو السلطة الخفية التي تمنعنا من ارتكاب الأخطاء وتوجهنا للسير على الطريق الصحيح، حيث إنه يعلمنا أن نحترم الآخرين ونعاملهم بالعدل والأمانة. لذلك، ينبغي علينا أن لا نقمع ضميرنا من أجل تحقيق مصالحنا على حساب الآخرين. ولا ينبغي أن نتاجر به كما لو كان سلعة يمكن بيعها لأعلى سعر.

فبدون الحفاظ على الضمير الحي، تصبح الحياة صحراء قاحلة حيث يتم استغلال الضعفاء والإكثار من قمع المظلومين حيث يسود فيها الظلم وتُسلب الحريات وتُهدَّد القيم والعدالة الاجتماعية. فبدون تحكيم الضمير، لا يكون هناك قانون يحظر الظلم والظلمة، ولا يوجد عدالة حقيقية ولا إنصاف حقيقي.

وفي نهاية المطاف، فلكل إنسان عقل يُفكر وعين تميز وقدرة تعمل ليفرق بين النصفين، وهذا الضمير هو الآخر منك الذي يتحدث معك ويجادلك ويُقيم أفعالك ويُرشدك إلى الصواب حينما تفتح أذنيك وقلبك لهُ، وعكس ذلك فما أنت إلا تائه في دروب الحياة.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

13  أكتوبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى