المقالات

المقابض

في فترة من الزمن كانت الأكواب والفناجين بلا مقابض او عوازل، ولم نكن نفهم الحكمة من عدم صُنع أو وضع تلك المقابض من الأصل… إلى أن تأذى أحدهم من السخونة الزائدة، فجعل لهم مقبضاً!!

اعتقد إن عدم وضع تلك المقابض لم يكن سهوا، أو مجرد نقص في التصميم، بل كان مقصودا حتى يتأنى الناس في شرب ما لا يستطيعون لمسه، ومن ثم، جاء ذلك المقبض العازل ليخدعنا، فأصبحت الناس تشرب دون حذر أو تأني إلى أن يتعرضون للحروق أو الإصابات الناتجة عن درجة الحرارة العالية ولم يكونون على علم بأن هذه النقطة تذكيراً لنا بأهمية التفكير قبل القيام بأي فعل، وضرورة الحذر من المخاطر المحتملة،

ونفس الفكرة التي تنطبق علينا عندما نتعامل مع أشخاص يضعون لنا تلك العوازل النفسية، بطرق ظاهرها الطيبة والمحبة، وباطنها الحقد والكراهية، فلا تجد النار الخفية إلا عند التعمق في العلاقة بقلوب من حولك من الناس، وبينما يمكن أن تبدو العوازل النفسية وكأنها وسيلة لحماية الذات، قد تكون في الواقع عائقاً يعوق التواصل الصادق والتفاهم الحقيقي بين الأفراد. فكما أن وجود المقابض في الأواني والاكواب قد يجعلنا نفقد الثقة فيما سيحدث، فوجود تلك العوازل يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة وتشويه العلاقات بين الناس، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تبادل المشاعر السلبية والتوترات العاطفية،

وتلك العوازل والأقنعة والمقابض الخادعة، هي التي تجعل قلوبنا تحترق من خبث ضمائرهم، ومشاعرنا تلتهب من النوايا المختفية وراء خداعهم النفسي.

ففي بعض الأحيان، يخفي الناس أوجههم الحقيقية ويضعون عوازل نفسية ليس لإخفاء مشاعرهم أو أفكارهم الحقيقية. بل لحماية أنفسهم من الجرح أو للحفاظ على صورة معينة في أعين الآخرين. ومثلما كانت المقابض توفر طريقة للتعامل بأمان مع الأكواب الساخنة، فإن فهم العوازل النفسية يساعدنا في التعامل بفهم وتقبل مع الآخرين دون أن نصبح عرضة للإصابة العاطفية أو العقلية.

ومن هنا، يبرز الاستقراء والتفكير العميق في تقييم العوازل النفسية التي يضعها الأشخاص في حياتهم. فمن المهم فهم الغرض وراء وجود هذه العوازل، وما إذا كانت تساهم في تعزيز التواصل الصحيح والتفاهم بين الأفراد أم أنها تعوقه.

فقبل التعمق في علاقة الناس، ضع “مقابض” الحكمة والتروي، وتجاهل العواطف السطحية… لكن خلال ذلك كن حذراً ولاحظ العلامات الدلالية الصغيرة التي قد تكشف عن الحقيقة المخفية وراء تلك العوازل ولا تجعل تلك المقابض تخدعك، و بعد اول “رشفة” إذا تأذى لسانك، توقف فورا، و احذر من الاستمرار لكي لا يحترق بالكامل!!

ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكننا فعلًا أن نعيش دون تلك العوازل النفسية؟ هل يمكننا أن نتعامل مع الآخرين بدون خوف من الجرح أو الإساءة؟

فالتعامل مع العوازل النفسية، قد يتطلب فهماً عميقاً للذات وللآخرين، ويحتاج إلى شجاعة للتفاعل بصدق وصراحة حيث إنه يتطلب القدرة على التفاهم والتسامح، والاستعداد لفتح القلب والعقل للتواصل بصدق وبدون تحجيم.

فالحياة تبادل… تبادل للمشاعر، تبادل للأفكار، وتبادل للتجارب. ولكن هذا التبادل لا يمكن أن يكون مجدياً دون الشفافية والثقة، دون الجرأة على كسر الحواجز والعوازل التي تفصلنا عن بعضنا البعض.

لذا، فالجراءة في التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا، والصدق مع أنفسنا ومع الآخرين. فقط من خلال هذا التبادل الصادق والشفاف، يقينا ويقي الآخرين من ذلك الاحتراق الناتج عن تلك المقابض المنتشرة بداخلنا.

وفي النهاية، فلا تخشى من الجرح أو الإصابة، ولكن تحداها بثقة وبأن كل تجربة ستجلب لنا درساً جديداً وفرصة للنمو والتطور. فلنستعد لاستقبال الحياة بكل مكوناتها، بما في ذلك “المقابض” أو العوازل النفسية، بقلب مفتوح وعقل مستنير.

 

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الخميس07 مارس 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى