المقالات

الذئب بثوب الراعي

في عمق الغابات المظلمة والهادئة يعيش الذئب، ذلك الكائن الذي يُعتبر رمزاً للغموض والخطر على الرغم من نظراته التي تشع من البراءة مالا يقدر على تكذيبه شخص. لكن وراء هذه النظرة البريئة ولباس الطهر الذي يرتديه تكمن الحقيقة المرة؛ وإنه السبب في الكثير من المظالم والمآسي.

صادفتني ذات مرة جملة: “الصداقة هي الوردة الوحيدة التي لا أشواك فيها” ففي اعتقادي أن من قال هذه المقولة إما أنه كتبها في زمن غير زماننا هذا إما أنها كانت في رواية تخيلية بعيدة عن أرض الواقع، فهو بالطبع يتحدث عن تلك الثمرة التي يجنيها مجموعة الأصدقاء أو الأقارب أو المعارف في كل لحظة يعيشونها.. لكنها ليست كثمار البساتين التي تُجنى كل موسم وهذا ما يفترض أن يكون”، بل هذا وللأسف الشديد ما هو كائن، فهذه الثمرة موجودة في هذه الأيام ولكنها ثمرة متآكلة فاسدة تمكنت منها الآفات حتى أسقطتها أرضاً فسقطت في مستنقعات الوحل.

في الحقيقة، لم يبقى شيء على ما كان عليه ابداً سواء كان ذلك في الصداقة أو غيرها من العلاقات الإنسانية. فلم تعد تلك العلاقات إلا منفعة وقتية ومصلحة ذاتية يستغل فيها أصحاب النفوس الدنيئة هؤلاء أصحاب القلب الأبيض والنية الحسنة واليد المعطاء، ولكن هيهات أن ينفع ذلك الإحسان والإكرام مع هؤلاء الذئاب في زمن لبست فيه الضباع والذئاب أثواب الطهر والأمانة والصداقة وحلت الذئاب مكان الراعي.

ففي حياتنا جميعا انتشر الكثير من هذه الذئاب. لكنها ذئاب بشرية يظهرون أمام العالم بمظهرٍ لطيف وودود، ولكن تحت هذا اللباس الذي يرتدونه يكمن كل الأذى والضرر. فهم يظهرون كأنهم أبرياء، ولكنهم في الحقيقة يستغلون كل فرصة وينقضون على فرائسهم بلا رحمة.

والأدهى من ذلك أنهم يلقون اللوم على تلك الفرائس وإن لم يجدوا ما يمكنهم إدانتهم به يلومونهم حتى على عدم المقاومة أو على إعطائهم الفرصة ليستغلوهم. فخطورة تلك الذئاب لا تنتهي هنا، بل إنها أخطر بكثير من الذئاب الحقيقية فالذئاب الحقيقية عند الجوع يسرقون لقمتهم فقط … أما الذئاب البشرية عند الشبع يسرقون لقمة سواهم.

ولكن وسط ذلك أحياناً أتساءل هل يفلحون في إخفاء حقيقتهم إلى الأبد؟ هل يستمر الظلم والإيذاء دون أن يُكشف عنهم؟ اعتقد لا فالحقيقة دائماً ما تظهر في النهاية، فهي الضوء الذي ينير الظلام وفي نهاية المطاف حتما ستأخذ العدالة مكانها.

ويبقى السؤال الجوهري هنا، هل يستذئب الإنسان فجاءة؟ وهل هي ثقافة موروثة أم هي صفة مكتسبة مما يراه ذلك الإنسان من حوله؟

من وجهة نظري أن الحياة وظروفها وتسارع وتيرتها غيّرت في طبائع الناس فتقلصت كثيراً الصفات والنوايا الحسنة والمشاعر الصادقة النبيلة وانتشر كثير من المفاهيم التي ليتها انقرضت أو انتهت بل للأسف الشديد بقيت وظلت مستمرة وتتزايد، لكنه بقاء مشوّه ومكروه، فكم من الخيانة والاستغلال والتعدي حدث تحت لباس الحب والتقرب، وكم من المواقف التي هدمت الكثير من العلاقات الجميلة وشوهتها فجعلتها ممزقة تتألم تحت الأنقاض وتحتضر.

وهذا لا يعني أننا دون عيوب او أخطاء فجميعنا نخطئ، لكن هناك فرق بين أن نخطئ وبين أن نتظاهر بما ليس فينا أو بأننا نخلو من الأخطاء. فأحذر تلك الذئاب البشرية واحفظ قلبك نقي وكن على علم ويقين تام بأن كل شيء يظهر في النهاية مهما حاولنا اخفاؤه فكن ذا قلب طيب وأثر جميل يتذكرك به الآخرون.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

11 نوفمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى