المقالات

الاستثمار الذي لا يفنى

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

منذ أيام الدراسة، كنت أؤمن أن العمل المجتمعي ليس نشاطًا جانبيًا أو التزامًا إضافيًا، بل هو جوهر التجربة الإنسانية التي تكشف لنا من نكون، وتمنحنا مساحات أوسع للتعلم والنمو والعطاء. لم أكن أدرك حينها أن تلك المبادرات البسيطة التي أقوم بها، والتفاعل اليومي مع الناس، كانت تبني داخلي رصيدًا حقيقيًا سيبقى أثره حاضرًا ما حييت.

أذكر أن والدي قال لي ذات يوم، حين سألته عن سر العلاقات التي تدوم:

“الاستثمار الوحيد الذي يبقى معك حتى آخر يوم في عمرك.. هو المعرفة والمعارف. ولن تحصلي عليهما إلا بخدمة الناس.”

لم تكن كلماته مجرد نصيحة عابرة، بل كانت نقطة تحوّل غيّرت نظرتي للأمور، وجعلتني أرى كل مبادرة أشارك فيها امتدادًا لقيم أعيشها ومسؤولية أتشرف بها.

واليوم، من موقعي كنائب رئيس فريق بروين للتنمية المجتمعية، أستشعر بعمق كيف يمكن للمشاركة أن تترك أثرًا حقيقيًا في حياة الأفراد. نحن لا نقدّم خدمات فحسب، بل نزرع روابط إنسانية، ونبني شبكات دعم، ونفتح آفاقًا جديدة للتمكين والنمو. نرى وجوهًا يشرق فيها الأمل، وقلوبًا تلهمنا، ونزداد يقينًا أن أعظم الاستثمارات تبدأ دائمًا من الناس.

المشاركة المجتمعية ليست حكرًا على المشاريع الكبرى أو الحملات الإعلامية الواسعة. أحيانًا، تكمن في كلمة طيبة، أو مساعدة بسيطة، أو حتى في ربط شخص بفرصة قد تغيّر مسار حياته. لكنها في كل الأحوال، تعود إلينا بعمق أكبر مما قدّمنا، وتفتح أمامنا أبوابًا لا تُفتح إلا بالعطاء.

إن التنمية الحقيقية تبدأ حين ندرك أن “نحن” تسبق “أنا”، وأن كل يد نمدها للآخرين، تعود لتقوّينا نحن أولًا.

 

بقلم /الهنوف بدر الضيط

الجمعة 22 أغسطس 2025م

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى