المسرح الخفي للحياة

الحياة ليست خطًا مستقيمًا، ولا مشهدًا يمكن التنبؤ به من أوله لآخره. فهي أشبه بمسرحٍ لا تُطفأ أنواره، وكل يوم يُفتح فيه ستار جديد ليكشف عن تفاصيل لم نكن نحسب لها حسابًا. فنحن نعيش ونظن أننا عرفنا كل شيء، لكن العمر يكشف لنا أن كل يقين قابل لأن يتبدّل، وكل ظن معرض لأن ينقلب في لحظة.
وكلما طال بنا الزمن، تكشّفت لنا وجوه لم نكن نتصورها، وسمعنا كلمات لم نعتقد يومًا أنها ستُقال لنا، وخبرنا مواقف تُرينا الناس على حقيقتهم. فمن كان يبدو سندًا قد يتحول إلى غريب، ومن ظنناه بعيدًا قد يظهر في لحظة كأقرب الناس. والدهشة ليست في المفاجآت ذاتها، بل في قدرتها على إزاحة الأقنعة وكشف الحقائق التي كنا نغضّ الطرف عنها.
فالحياة تعلّمنا أن لا شيء يبقى كما هو… الأمس ليس هو اليوم، واليوم لن يكون هو الغد. ومع كل يوم جديد، نكتشف أن ثبات الأشياء مجرد وهم، وأن التغيير هو الحقيقة الوحيدة الثابتة. ونتعلم أن نفرّق بين العابر والدائم، وبين الوعد الصادق والسراب، وبين المواقف التي تبنى بها التجارب، وتلك التي تترك ندوبًا فقط.
لذا من المهم أن نُدرك أن المفاجأة جزء من النظام الطبيعي للحياة. فكل ما يحدث، حتى حين يبدو غريبًا أو صادمًا، هو وجه آخر لرحلة نتعلم من خلالها. فمن عاش طويلًا لا يدهشه هذا الانقلاب، بل يستوعبه ويأخذه كدرس جديد يضيف إلى خبراته،
فالعيش في ذاته تجربة مليئة بالتقلبات، والدهشة لا تكمن في غرابة ما يحدث، بل في اتساع قدرتنا على الاحتمال. ففي كل يوم يُضاف إلى أعمارنا، نصبح أكثر قدرة على قراءة ما وراء الأحداث، وعلى تذوق ما بين السطور.
وهكذا، يتضح أن العمر ليس مجرد سنوات تُعد، بل مشاهد تُعاش، ومفاجآت تُهديك بُعد نظر لم تكن لتملكه لولا التجربة. فكلما امتد بنا العمر، اتسعت عيوننا لرؤية أعمق، وعقولنا لفهم أكبر، وقلوبنا لقبول ما لم نتوقعه يومًا.
الكاتب / طارق محمود نواب
الأثنين 03 نوفمبر 2025م
للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )
				