المقالات

رجعت ريما لعادتها القديمة

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

التكرار في حياة الإنسان أحيانًا ليس مجرد صدفة، بل دائرة يلتف حول نفسه فيها، كأن الزمن يصرّ أن يعيد عليه الدرس الذي لم يتعلمه بعد. حينها نتصوّر أننا تخلّصنا من بعض العادات، والأخطاء التي أرهقتنا، ومن الطرق المسدودة التي جرّبناها من قبل، لكننا نكتشف فجأة أننا عدنا إليها كأننا لم نغادرها يومًا. وكأن الإنسان يحمل بداخله خيطًا رفيعًا يشده دائمًا إلى ما كان، حتى لو أقنع نفسه أنه تغيّر.

فالخطأ حين يُرتكب مرة، يبدو وكأنه تجربة. لكن حين يتكرر، يتحوّل إلى إدمان خفي، وإلى عادة تستتر تحت شعور مألوف بالراحة رغم الألم. ولعل أخطر ما في التكرار أنه يخدعنا ويجعلنا نبرّر لأنفسنا أن المرة القادمة ستكون مختلفة، مع أننا نعرف في أعماقنا أنها نسخة أخرى من الماضي نفسه.

فالإنسان حين يكرر أخطاءه يصبح كأنه مربوط بسلاسل غير مرئية… نلوم الظروف أحيانًا، ونحمّل الآخرين المسؤولية، لكن الحقيقة أن الرجوع ليس ضعفًا في الخارج بقدر ما هو ضعف في الداخل. فهناك شيء فينا لم يحسم معركته بعد، أو لم يقرر بصدق أن يغيّر المسار، أو أنه ببساطة يخاف من حياة لا تشبه عاداته القديمة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذه العودة المتكررة تحمل رسالة. فربما نحن لا نعيد الخطأ عبثًا، بل لأننا لم نكتشف بعد جذوره العميقة فينا. فالتكرار يفضح ما لم نواجهه، ويضعنا أمام أنفسنا بلا أقنعة… فيقول لك أنت لم تتغير حقًا، لكنك فقط أخفيت عادتك فترة ثم ظهرت من جديد.

لكن، ليست كل عودة حكمًا بالإعدام. فأحيانًا الرجوع يكشف لنا حجم ما أهدرناه، فيصنع يقظة أشد من أي نصيحة. وأحيانًا الألم الناتج عن التكرار يكون هو الدافع الحقيقي للتغيير، فيصبح أقوى بكثير من محاولة أولى لم نأخذها بجدية. وكأن الدائرة المغلقة نفسها هي التي تُجبرنا في النهاية أن نكسرها.

والحقيقة أن التكرار ليس قدَرًا مكتوبًا لا يُكسر. بل هو اختبار للصبر والوعي والإرادة. فالإنسان قادر أن يتحرر من عاداته القديمة، لكن عليه أولًا أن يعترف أنها ليست مجرد نزوة، بل هي سجن داخلي بناه بيده. وعليه أن يؤمن أن كسر السلسلة يحتاج إلى قرار صادق لا يعتمد على لحظة حماس، بل على ثبات طويل وصبر يومي.

ونعم، ريما قد تعود إلى عادتها القديمة، لكن هناك دومًا فرصة أن تُدرك أنها لم تُخلق لتعيش في نفس الحلقة المفرغة. وأن تتحرر من وهم الراحة الزائفة، وتجرّب أن تكون نسخة جديدة من نفسها. لأن الحياة في النهاية، لا تُكافئ مَن يكرر الأخطاء، بل مَن يتعلم كيف يكسرها.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الأحد 05 أكتوبر   2025م 

للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى