المنوعات

الإيماءات والحركات الجسدية ورمزيتها في الفن المصري القديم

صراحة – دكتور احمد عبدالعال: عبَر المصري القديم بالإشارة الجسدية في كثير من النقوش الجدارية ، إذ أصبحت وسيلة سهلة للتعبير عما يقوله أو يفعله الشخص من خلال ظهور بعض الملامح علي الوجه، والجسد ، وحركات الأذرع، والأقدام بإختلاف تعبيراتها النفسية.

أصبح علم لغة الجسد والإشارة من العلوم الدنيوية للتعبير عن ثقافة الذات، فهو علم يدرس التواصل غير النفسي؛ حيث أن حركة الجسد تسبق اللفظ عند التواصل فهو يسمح بتفسير قواعد مضبوطة عن طريق المشاعر الواردة من المخاطبين 

كانت طبيعة الحياة المصرية القديمة عبارة عن لغة جسدية نقشها علي جدران المعابد والمقابر وعلي الآثار المنقولة ، ومن ثم فكانت طبيعة للفن القبطي أن يرثها ، فأصبحت هي السمة النفسية السائدة للتعبير عن المشاعر الإنسانية مثل: الفرح، الحزن، التحية والتهليل، الرقص ، الغضب ، الفكاهة والضحك ، وأوضاع حركية مختلفة تمثل التعبد بصوره المختلفة. 

تعتبر الإشارات أو أوضاع الجسد جزءاً لا يتجزأ من وسائل التواصل اليومي مع الآخرين ومع الإله، ودراسة هذه الأعمال السلوكية غير اللفظية من خلال المناظر لها أهمية قصوى لفهم وتفسير الرسائل المقصود منها ولذلك يمكن تعريف الإيماءات بأنها مجموعة من ممارسات الإنسان ليست نظاماً رمزياً أو جزءأً من لغة ولكن مجموعة تتطور بإستمرار من أوضاع بدائية ألى أوضاع متنوعه إلى حد كبير وأصبحت جزءأً من ثقافة محددة وجزءأً من ممارسات شائعة أو عامة يإستخدام الأيدي لعرض الحالة التي يكونون عليها لتوصيل صورة معينة والبعض يرى أنها لاتقتصر على إستخدام الأيدي فقط للتعبير ولكن تشمل الجسم كله لتوصيل التعبير عن أفكارهم وشعورهم وقد تكون هذه الإيماءة لتحية بعضهم البعض أو الإتخراط في أعمال الطقوس كما هو الحال في الإحتفالات الدينية أو غير ذلك. 

على الفنان أن يظهر الحركه في التصوير في أفضل صورة حتي يستطيع المشاهد أن يدرك التغيير يمكن أن يكون قريب الحدوث، فالعين دائما تتحرك في المجال المرئي في فقرات تقف عندها قصيراً أو طويلاً تبعاً لما يجذبها من انتباه وتستطيع العين أن تتبع نظاماً ومعدلاً خاصاً بها تستطيع أن تقرر بالضبط ما إذا كان الخط يميل في حركته إلى الأعلى أو إلى الأسفل.

ويتم وصف حركات أو إشارات اليد على أنها إشارة إلى التعبد، التحية، الإستسلام وتكون هذه الإشارات موثقة بشكل أفضل في الأوضاع التعبدية نظراً لإرتباطها بالنصوص الدينية ووجدت أيضا في المناظر الدينوية لذلك كان هناك إرتباط وثيق بين إيماءات الجسد المتصلة بتمثيل الأسرى ومقدمي  الجزية، وبين الأوضاع التي تؤدي أثناء الصلاة إلى الآلهة.

أولاً : أوضاع التحية والترحيب .

يعبر المصطلح nD Hr عن التحية ويُعني ” اقرأ السلام”، ” يسلم وجهك” ، ” السلام عليك” ، وقد ظهر هذا المصطلح في نصوص الأهرام وأستمر ظهوره حتي نهاية العصرين اليوناني والروماني ، فهي كانت صيغة للترحيب وتقديم التحية للمعبودات.

كثُر توظيف إيماءة فتح الذراعين لشخص ما في مصر القديمة للتعبير عن الترحيب به ، ولذلك فقد أُستخدم التعبير الإصطلاحي : wnm/wn/wpn/awy/rmn أي يفتح فلان الذراعين” كناية عن الترحيب ؛ وبديهي أن ذلك يرجع إلي ما اعتاد عليه المصري القديم من بسط الذراعين ، وفتحهما حين إستقبال ضيفاً حلَ به .

إيماءة رفع الذراعين لأعلي :

يُلاحظ في الإشارات والحركات الجسدية المصاحبة للتحية والمديح في مناظر الدولة الحديثة إنها إشارات وحركات جسدية رسمية أي أنها مصاحبة لتحية معبود أو ملك أو قائد وليس إثنين من عامة الشعب. 

وهي إشارات تممت ولازمت وربما حلَت محل الإتصال الشفوي في كثير من الأحيان ، فربما تكون الإشارة مصاحبة لتحية شفوية، وتعتبر الإشارات والحركات الجسدية المصاحبة للتحية والمديح واحدة من مجموعة الإشارات المكونة للحركات الجسدية المركبة والمعبرة عن التعبد (يلي وصفه).

وفي المناظر تداخل الإشارات والحركات الجسدية المصاحبة للتحية والمديح مع أوضاع وحركات أخري مثل الخضوع والتعبد  ؛ حيث يقوم أحد كبار الموظفين (إيبي) برفع ذراعيه لأعلي لتقديم التحية بالملك رمسيس الثاني علي الجانب الجنوبي من الجدار الشرقي بمقبرته بجبانة طيبة الغربية .

(شكل 1) التحية بإيماءة رفع الذراعين للتحية للملك رمسيس الثاني.

إيماءة رفع الأذرع لتقديم التحية في العالم الآخر:

ظهرت إيماءة رفع الأذرع لأعلي لتقديم التحية لمعبودات الغرب (إيمنتت) ، ووضع المتوفي في العالم الآخر في مناظر متعددة في الفن المصري القديم، مما يوضح دليلاً علي مدي فاعلية وأهمية هذه المعبودات في العالم الآخر.

إيماءة رفع الأذرع لأعلي لتقديم التحية في العالم الآخر في الفن المصري القديم ؛ حيث تظهر المتوفاة “آنهاي” وخلفها شكل أصغر حجماً يرمز إلي الغرب وقد زُينت رأسها بريشتين من ريش النعام وتمسك في كل يد ريشة آخري، وفي ذلك دلالة علي أنها إجتازت المحاكمة في العالم الآخر، وتتدلي من رقبتها حلية علي شكل قلادة “ماعت” رمز العدالة، و”عنخ” رمز الحياة، وهي ترجع إلي عصر الأسرة العشرين – محفوظة البردية بالمتحف البريطاني..

وترفع المتوفاة ذراعيها لأعلي ممسكة برمز الغرب (ريشة النعام) وذلك لتقديم التحية بمعبودة الغرب “إيمنتت” ، وذلك مرتدية الأبيض الشفاف وربما يرمز إلي المعبود “أوزير” 

(شكل5) منظر علي بردية ” آنهاي” من الأسرة العشرين، محفوظة بالمتحف البريطاني، تمثل المتوفاة وهي ترفع ذراعيها لأعلي لتقديم التحية لمعبودة الغرب .

ثانياً: الأوضاع التعبدية والتطهير .

عرف المصري القديم أوضاع التعبد المختلفة، وسجلها علي النقوش الجدارية بالمعابد والمقابر، وأيضاً أوضاع التماثيل، وفي مخصصات الكلمات المصرية ، وأصبحت من الموروثات الدينية التي توارثتها الديانات السماوية ، ورفع الأيدي من العلامات المعبرة عن الصلاة و الدعاء و التعبد وظهر ذلك من خلال العلامات و المخصصات التي تصور الإنسان جالسا أو واقفا رافعا يديه متعبداً.

 

لأوضاع التعبد المختلفة

إيماءات التعبد في الفن المصري القديم:

يظهر الملك رمسيس الثاني علي قطعة حجرية  رافعاً ذراعيه للأمام في وضع التعبد يرتدي غطاء الرأس (الصل الملكي) ، وتظهر شكل الرأس كاملة ، وتتقدم قدماه اليسري عن اليمني ، والقطعة محفوظة بالمتحف المصري.

(شكل6) الملك رمسيس الثاني رافعاً يديه للأعلي إيماءة جسدية للتعبير عن التعبد.

 

  • وضع القعود: 

يمثل أقدم التماثيل لشخص في وضع الجلوس (الصلاة) وهو يخص شخص يُدعي حتب دي إف من الأسرة الثالثة عُثر عليه في منف وهو معروض بالمتحف المصري وهو يُمثله في وضع القعود أثناء الصلاة واضعاً يديه علي ركبتيه ويضع باروكة الشعر علي رأسه .

(شكل12) تمثال حتب دي إف من الأسرة الثالثة في وضع القعود أثناء الصلاة .

ويظهر تمثالاً آخر للمدعو أمنحتب ابن حابو الذي عاش في عهد الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة وهو من الجرانيت الأسود ويبلغ إرتفاعه 1.42م ، عُثر عليه في الكرنك ، وهو محفوظ بالمتحف المصري بالقاهرة ، ويظهر صاحب التمثال جالساً في وضع القعود واضعاً يديه علي ركبتيه

 

 (شكل14) تمثال امنحتب ابن حابو من الأسرة الثامنة عشرة في وضع القعود أثناء الصلاة .

  • وضع السجود:

يمثل منظر من مقبرة باشد وهو من الأسرة التاسعة عشرة وهو ساجداً خلف شجرة الدوم بعد الإرتواء بالماء العذب، فهو يظهر مرتدياً النقبة البيضاء في وضع السجود (شكل16).

(شكل16) وضع السجود للمتوفي في مقبرة باشد .

  • سكب الماء والتطهير: 

تًعد طقسة التطهير واحدة من التصورات الأساسية في الديانة المصرية، كانت تتم للملك الحي أو المتوفي عن طريق سكب الماء ،حيث أنها تؤهل الملك المتوفي لأن يصبح عضو الرابطة الإلهية وينعم بالحياة بعد الموت ومن ثم يستطيع تلقي القرابين.

وهي تمثل تطهير الروح من الشرور والآثام حتي تصبح نفساً طاهرة  وكان المصريون القدماء يفترضون أن الميت بهذا الغُسل يستعيد حيويته وكان التطهير إذن منوطاً أول الأمر برحلة السماء.

ثالثاً: حركات الرقص .

كان المصري القديم بطبعه محب للبهجة والاحتفالات والغناء والرقص مما جعله فناً مميزاً في الفترات المختلفة فعرفت مصر القديمة الرقص منذ عصور ما قبل التاريخ وهناك العديد من الشواهد الأثرية التي تدل على أن هذا الفن كان مرتبطاً بالحياة الدنيوية والعقائد الدينية أو السحرية.

وعلى الرغم من انغماس الفنان القبطي في الحياة الدينية والتي كانت موجوده في فنونه المختلفة لخدمة طقوسه الدينية لم يغفل استخدام الفن الشعبي، وتمسك الفنان القبطي بأسلافه بإقامة الحفلات الراقصة في المناسبات المختلفة.

وظهرت رقصات لخدمة الطقوس الدينية وخاصة تصوير الموضوعات الأسطورية بصفة خاصة أو موضوعات العهد القديم بصفة عامه فظهرت الأشكال الأسطورية بشكل فردي أو مزدوج أو جماعي. 

أنواع الرقصات في مصر القديمة 

الرقصات الموحدة:

وهي الرقصات التي تؤديها مجموعة من الراقصين أو الراقصات بحيث تقوم المجموعة بأداء نفس الحركات و الخطوات في نفس الوقت، كما يظهر في معظم المناظر، و من أنواع تلك الرقصات:

  •  رقصة (البقرة) : وقد سميت بذلك للتشابه بين الوضع الذي تتخذه الراقصات في الرقصة، حيث يرفعن أذرعهن عالياً بشكل يشبه قرون البقرة ، و تتكون الرقصة من بعض الخطوات التي تعتمد على حركة القدم اليسرى، حيث تمد الراقصات أقدامهن اليسرى للأمام و هي موضوعة على الأرض، ثم يرفعن القدم عن مستوى الأرض، و بعد ذلك يرفعن القدم عن الأرض إلى مستوى أعلى ، و تكرر الراقصات تلك الخطوات أثناء الرقصة.(صورة 1).
  • رقصة (التحية): و فيها يرفع الراقصون إحدى أيديهم في وضع يشبه وضع التحية باليد، و خلال الرقصة تتم بعض الخطوات التي تعتمد أيضاً على أوضاع حركة القدم اليسرى و التي تتشابه مع الأوضاع الخاصة برقصة (البقرة) . 
  • رقصة (الاستلقاء للخلف):  و التي تشبه الحركات الأكروباتية حيث ترفع الراقصات الساق اليسرى عالياً و تملن بظهورهن للخلف. 
  • رقصة (الركلة أو الخطوة العالية) و هي رقصة يقفز فيها الراقص و يرفع الساق اليسرى لتصبح قريبة من مستوى الصدر.
  • رقصة (العصي) :  التي يرقص فيها الراقصون و هم ممسكون بالعصي المعقوفة في أيديهم، و هي رقصة تشبه في خطواتها رقصتي (البقرة) و (التحية).
  • الرقصات الثنائية  : 

و تتكون من مجموعة من الحركات المتتالية التي يؤديها اثنان من الراقصين، حيث يقوم كل منهما بنفس الحركة في نفس الوقت .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى