المقالات

أي قناع تختبئ خلفه ياترى؟

على كل وجه قناع، وربما نكون نحن أيضاً من يرتدي هذا القناع. تلك الأقنعة التي تخفي حقيقتنا الداخلية مستبدلة اياها بزيف لا يمت للواقع بصلة. فخلف كل قناع حكاية لا تُروى، وتظاهر بنهج مختبئ… ورأي متضارب بلا حكمة ولا تدبير، وألسنة لاذعة ونفوس تتلاعب بالأدوار وتستقر في الزوايا وبين الجدران. وقد تكون تلك الجدران يعيشون خلفها كالحماية التي نبنيها حول أنفسنا، لكن في الحقيقة إنها السجن الذي نحمل مفتاحه في أيدينا… فهي جدار آيل للسقوط والانتهاء في أي وقت، فهو غير ثابت وساقط لامحالة.

لكن ومع انتشارها حولنا بكثرة يلوح في الافاق ها السؤال العريض فهل نحن من اخترنا هذه الأقنعة أم هي التي اختارتنا؟ وهل نحن حقاً نعيش أم نتظاهر بالحياة؟

إن الأقنعة التي نرتديها غالباً تكون نتيجة لظروفنا الاجتماعية والثقافية، لكن الاختيار في نهاية المطاف يعود لنا فكل من يرتدي قناعاً يرتديه بكامل تفكيره ويختار من الأقنعة ما يناسبه. أما بالنسبة للحياة، فكلما كانت خالية من الاقنعة كلما استطعنا العيش بصدق وبدون تظاهر وحينها فقط سنعيش حياة حقيقية.

فكل منا مر بهذه التجربة فكم من قريب لم تدوم قرابته، وكم صديق انقلبت صداقته وأظهر وجهه الآخر بكل براعة، بموقفٍ حدث وكان ما ظهر منه عكس ما بطن. وكم من مواقف  فيها من الأحاديث والأفراح والأحزان والوقفات والأيام وانقضت وانقضى معها كل حلوٍ شاركناه.

فالصحبة المبنية على المصالح والغدر والزيف، كالبنية المتينة التي ترتكز على رمال فتنهار مع أقل هزة. وقِس على ذلك في شتى مجالات الحياة من كثرة تعدد تلك الوجوه.

فالعالم يسكنه وجوهاً تتلألأ بسحر الزينة، ومن وراء تلك الأقنعة البراقة قد تكمن النوايا الخبيثة والمكائد الدقيقة التي تهدف إلى خداع الأبرياء، فاحذر من وجوه الزيف، فهي وسيلة للخداع وسلاح فتاك يمكن أن يضرب الكثيرين الذين لا يبالون بالانتباه.

فكل من ارتدى قناع خبأ الحقيقة وراء طبقات لا تُفك. وكل من تنكر تحت قناع لم يخدع إلا نفسه، ولا يوهم إلا نفسه، ولا يظلم إلا نفسه قبل أن يظلم غيره. فالهوية الحقيقية والجمال الداخلي معلومة مكشوفة للأرواح الصادقة التي تعرف كيف تقدر الشفافية والصدق دون الحاجة إلى قناع يحجب الحقيقة.

فاحذروا تلك العقول المريضة التى تتنقل كالوباء وتنمو بسرعة البرق حيث تصنع العذاب والخراب حيثما حلت… واحذروا من تلك الوجوه المزيّفة بالأقنعة التي تتنكر تحتها النوايا السلبية والمكائد. فالأيام تدور وكل وجه سيسقط قناعه مهما طال الوقت، فلا تخفي جمالك الحقيقي بأقنعة مؤقتة وارفع رأسك بكونك حقيقي، ولا تعش ظلام الزيف الأبدي وانطلق نحو نور الوضوح والحقيقة الذي من دونهم ستضل الطريق وستعيش في متاهات ولن تصل لوجهتك في النهاية.

وفي النهاية عندما تكون صادقًا وأصيلاً، تكون أكثر جمالًا. فالجمال الحقيقي هو عندما تبدي وجهك الحقيقي الذي خلقك الله عليه، وهو الوجه الذي يعرفه الناس والذي ينبعث منه الخير والرضا… فلا تكن كالذين يخفون وجوههم ويتنكرون، بل كن صادقًا مع نفسك ومع الآخرين في زمن نقابل فيه الكثير من الاقنعة والقليل من الوجوه.

فالمواقف ستكشف لنا معادن الناس…‏. ومهما حاول الشخص أن يخفي حقيقته المتصنعة، ومهما طالت العلاقات فنهايتها كفيلة بإسقاط كل الأقنعة المزيفة.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الثلاثاء  19مارس 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى