المقالات

المستديرة بين الملاليم والملايين!

كرة القدم ومنذ عقود هي المتنفس الأول لأجيال متعاقبة، ومهما كثرت وسائل الترفيه الأخرى ستبقى كرة القدم ثابته وغيرها متحرك وما يميزها أنها للجميع بلا استثناء.

لكن وفي الآونة الأخيرة طغى الحديث عن المباريات والصفقات وما يدور حولها وما جرى فيها على ما عداها من بقية الاحداث العامة، وقد استفحل الموضوع كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي واصبح حديثاً رئيسياً فيها، وإن كان هذا دليلاً فهو دليل على أن كرة القدم والتحدث فيها وعنها باتت باب ومتنفس شبه وحيد عند الكثير من الناس بل وأكثر من ذلك.

وأما عن لاعبو كرة القدم فهم أساطيراً تاريخية وثقافية في عالم الرياضة، حيث يتنافسون في الملاعب ويحققون إنجازات عظيمة مستعرضون تلك القدرات أمام جماهيرهم فهم دائماً يتمتعون بمهارات فردية وجماعية مذهلة، وشعبية جارفة بين جماهيرهم ومحبيهم، مدركين بذلك أن كل تسديدة أو تمريرة ترتبط بأحلام وآمال ملايين الأنصار.

وخلال هذه السنوات ترسخت في دواخلنا صورة الأيام القديمة وأناسها، حيث كانت اللعبة تعتمد على الشغف والانتماء، بعيداً عن الأمور المادية والمرتبات الضخمة. لقد كانت هناك روحٌ جميلة تتجلى في أداء اللاعبين القدامى الذين كانوا يلعبون من أجل الفريق ولشرف القميص الذي يرتدونه.

فالنجوم القدامى شخصيات لا تُنسى بذكريات لا تُنسى. وعلى الرغم من مرور الزمن وتلاشي أضوائهم من الميدان، إلا أن تأثيرهم يظل حاضراً بقوة في قلوب محبي اللعبة وعلى الرغم من ان عقودهم كانت بالملاليم ، إلا أنهم كانوا ومازالوا أساطير اللعبة يبثون البهجة في قلوب ملايين المشجعين. فكانوا يجسدون معنى الولاء والتفاني، حيث كانوا يمتلكون علاقة وثيقة مع الجماهير، وكانوا يلعبون بكل قلبهم وروحهم، دون النظر للأرقام الضخمة أو العقود المربحة.

ومع ذلك، تبدو الفجوة بين هؤلاء الأساطير ولاعبي الجيل الحالي واضحةً. فعلى الرغم من توفر الميزانيات الهائلة والرواتب الخيالية التي يتقاضونها، إلا أنهم بعيدين كل البعد عن تلك الروح القديمة، فقد تحولت الرياضة إلى عمل تجاري بحت، حيث تسود المصالح المادية والشهرة على حساب الشغف والولاء للفريق. وانتهت بذلك الروح والعزيمة التي كانت تميز لاعبين الزمن الجميل التي نفتقدها بشكل كبير، وانتهى معها الروح الرياضية وأجواء الحماس والتشجيع للكرة النظيفة بين الجماهير.

وربما يكون السبب في ذلك هو تغير الثقافة الرياضية وتحولها إلى مجرد صناعة ترفيهية تسعى للربح، بدلاً من أن تكون وسيلة للتعبير عن المهارة والعاطفة ومع ذلك يظل النقاش حول أي فترة أفضل هو موضوع لا ينتهي، إلا أنه يجسد التطور الطبيعي للرياضة. فلنحترم ماضي اللعبة ولنستمتع بلحظات حاضرها، مدركين أن الشغف والإلهام يمكن أن يولدوا من كل زمان ومكان،ومهما تغيرت الظروف وتبدلت الأجيال، فيبقى الوصل بين اللاعب والجماهير هو العامل الأساسي الذي يمكن أن يجعل كرة القدم تظل رياضة الشعوب، ومحافظةً على جاذبيتها وجمالها عبر الزمن.

وعلى الرغم من مرور أعوام كثيرة إلا أن إرثهم الرياضي والإنساني ما زال حياً في ذاكرة الجماهير. ويبقى السؤال المحير هو ما إذا كانت الأجيال الحالية ستتمكن من تقديم نفس المستوى من العطاء والتميز؟ أم ستظل مقتصرة على البحث عن المكاسب المالية السريعة دون النظر إلى الإرث الذي يتركونه وراءهم؟ وهل يمكن لهم أن يشعلوا شرارة الفرح في قلوب جماهيرهم واستعادة أجواء السعادة والتشجيع كما فعل أسلافهم؟

الكاتب / طارق محمود نواب

الخميس 14 فبراير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى