المقالات

حالة طوارئ

نحن لا نعيش الحياة مرتين، فالحياة حياة واحدة وسوف نعيشها مرة واحدة ولا داعي للتحسر على كل خطوة أو كل موقف كان، فنحن كل يوم نرى تعابير تختزل كل إحساس بداخلنا وكل كلمة نريد التفوه بها… وكل يوم نرى مشهد من مشاهد الحياة التي تستحق التأمل والتفكر في أحوالنا، فالإنسان عادته أن يضيع وقته في حسابات فارغة وحينما يصطدم بأمور لا طاقة له على تغييرها أو حتى تبديلها يبدأ في مرحلة التمني… كما يتمنى المريض أن يكون هنالك امتداداً آخر لوقته في هذه الحياة، أو كما يتمنى كل من افتقر بعد تجبره في غناه وانتهى أن يعود به الزمن ليستعيد غناه بعد فقره، وما نقصده بهذا هو أن كل إنسان عليه أن يستمتع باللحظة الآنية مهما بدت بعض الأشياء صغيرة أو تافهة لا تستحق ذلك فإن لحظة استمتاعك بها قد تغنيك عن لحظات كثيرة من الندم.

فالاستمتاع بأشياء صغيرة أفضل بكثير من قضاء العمر كاملاً متحسرا على أشياء في علم الغيب قد تأتي أو لا تأتي، وهذا المسار الطويل من الحياة يتحول في غمضة عين إلى ثانية أو أقل حتى من الثانية حينما يصطدم الإنسان بحقيقة الوجود… وحينها يتمنى لو كان طفلاً ينام قليلا ويستمتع بأحلامه الصغيرة، أو زاهد قلبه خالي يغسل الأزهار بدموعه ويكف عن الأحقاد والحسد الذي تشتعل في الإنسان كالنار الحارقة.

وكذلك نحن نعيش في عالم متشائم وقليلون ممن حولنا يمتلك فكراً إيجابيا، ولذلك، حينما تستمع إلى أقوال الناس أو آرائهم تخرج بنتيجة واحدة دائماً وهي أن الحياة حالة طوارئ دائمة السرعة والتغيير، لكن هذا الشعور الذي يخالف الكثير منا هو وليد التفكير السلبي والتشاؤم المحموم الذي يعترينا في لحظات الضعف ويجعل حياتنا قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت، وحينما تنفجر هذه القنبلة ستدمر كل شيء حولنا بالكامل ومن ضمنهم أنفسنا.

فما علينا فهمه جيداً هو أن كل ذلك طبيعي في هذه الحياة ولكن لحياتنا قوانينها، فكما أن هناك شر هناك بالطبع خير وكما أن هناك لحظات فرح هناك أيضاً لحظات حزن، ولذلك فالحياة الهادئة والمطمئنة التي نفكر فيها باستمرار ليست هنا، إنما توجد في مكان آخر بعيد عن ما نظنه حولنا وعن كل ما يسود في تفكير الغالبية العظمى مننا، فالاعتقاد بوجود هذه الحياة مناف تماماً للوصول لقمة العيش الحقيقي. فمثلاً التزاماتنا نحو الأبناء، والحوادث الطارئة التي تُحول حياتنا إلى شيء آخر مختلف تماماً عن الحياة الهادئة التي نعيشها ما هي إلا ساحة من الصراع الأبدي الذي تسود فيه نظرة واحدة وأسلوب واحد وحل واحد لا يتغير.

ولذلك نصبح وكأننا دائماً جليسون على قنبلة موقوتة ننتظر لحظة التفجير، فنحن لا ننكر بأن الحياة صراع ومتاعب وصعاب ولكن يجب أن نفهم بأن لكل منا طاقة لا يستطيع حمل أكثر منها، فالله تعالى يقول “ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به” فإلزام نفسك بعمل ما لا تطيق أو الدخول في متاهات الحياة وتشعباتها بشكل عشوائي ما هو إلا تحضير دقيق ومناسب جداً لواقع مأساوي ستعيشه هذه النفس، وهو أيضاً سعي دؤوب نحو تحطيم قدرتها على المواصلة والاستمرار.

ولذلك حاول أن تمتلك قطعة من الحياة قبل أن تفنى حياتك بالكامل، وحاول أن تلحق بقطار حياتك قبل أن تفوتك محطاته، واسعى لاكتشاف الجمال والمعنى الحقيقي في حياتك، وكل ذلك إلى جانب التفكير الإيجابي الذي يحول الحياة من حالة طوارئ إلى متعة أبدية لا تنتهي.

 

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الثلاثاء  02 أبريل  2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى