المقالات

عيد الامس لقاء.. وعيد اليوم مسج!

ما بين عبارتي أهلا رمضان، ووداعا رمضان، ها هو شهر رمضان الكريم انصرمت أيامه وانقضت لياليه بسرعة لا توصف… انقضى شهر خير من ألف شهر… شهر فضيلة عشناها وخيرات باركها الله، شهر تعودنا أن نشهد فيه تنافسا على الخيرات، وإقبالا على صالح الأعمال، وجاء العيد يترنح مثقل الخطوات، ووجدنا أنفسنا فجاءة نستعد لاستقبال أيام العيد بكل ما اشتهته قلوبنا وأرواحنا. فكل عام وانتم بخير، وأعاده الله عليكم باليمن والبركات،

فالعيد… تلك الأيام التي ننتظرها من العام للعام، والبهجة الغير محدودة والذكريات التي تنقلنا إلى دنيا غير الدنيا بمجرد تذكرها، والتي نشتاق إليها ونفتقدها ذكرى بيوت جداتنا وأجدادنا قبيل العيد بأيام قلائل واجتماعنا حولهم لعمل حلويات العيد ورائحتها التي تملأ الشوارع،

ومع عيدية اول ايام العيد والفرحة التي لا توصف بالحصول عليها، وثيابنا الجديدة وبروفاتنا التي تستمر لأسبوع كامل تعديلاً وتقويماً لها لتناسب فرحة اول يوم عيد… وضعها على الفراش بجانبنا والنوم بعد سهر ليلة كاملة في انتظار صلاة العيد.

والذهاب لملاهي الالعاب التي كنا نحلم بالعيد وننتظره لنذهب إليها ونلعب بما بها من ألعاب، فكان ذلك احتفالنا بالعيد وتحديدا في اليوم الأول، فلم يكن ممكنا تصور العيد دون الذهاب إلى الملاهي في أول أيامه، وبوصولنا لها كأننا صعدنا للقمر، ووصلت بنا السعادة أقصى درجاتها.

وزيارات الأقارب والأصدقاء وسهرات العائلة والجيران والحديث إلى أن يسرقنا الوقت، و الاستيقاظ فجراً لصلاة العيد، ثم تحضير الفطور صباحاً.

لكن وللأسف كل تلك الذكريات الجميلة التي تتبادر لأذهاننا فور الحديث عن العيد لم تعد كما كانت، أصبحنا لا نشعر بكل تفصيله وكل كلمة وكل خطوة نستعد فيها لتجهيزات العيد… أصبح احتفالنا فاتر خالي من التفاصيل.

فالآن أصبحت كل الألعاب إلكترونية وافتراضية لا تمت للواقع بصلة، خاوية المشاعر لا تحمل أي ذكرى يتذكرونها فيما بعد، فأصبحت الملاهي تمثل للقليل منهم فرصة للترفيه والشعور بفرحة العيد، واقتصرت ألعابهم على شاشة لوحية لا قيمة لها، إلى جانب المباركات التي أصبحت رسائل إلكترونية خالية من مشاعر القرب والمشاركة، وأصبحت مجرد حروف في رسالة تصل بضغطة زر وتحل محل اللقاءات الحقيقية والعلاقات الدافئة. فلم يسعى أحد الآن لتكوين ذكريات بأي شكل كان.

حتى الزيارات يتم تأخيرها إلى المساء، وتحديد مواعيد لها، أو قد يتم إلغاؤها للانشغال بالسفر والزيارات الخاصة. ومن أكثر ما أثر على فرحتنا بالعيد سلباً رحيل جداتنا وأجدادنا تلك القلوب العطوفة التي كانت تجمعنا، ولم نتفرق إلى من بعدها، تلك الأرواح الجميلة التي يضفى جمالها على أيام العيد، أو بالأحرى على ايامنا كلها. تلك القلوب الطيبة التي منذ أن ذهبت، ذهب معها كل جميل، فما كان يجمعنا إلا قلبهما الطيب وروحهما النقية، وبذكراهم سيظل في قلوبنا الحنين لأيام العيد الجميلة التي عشناها.

فاليوم تلاشت تفاصيل كانت الأهم والأقوى… تلاشى التقدير لروح الاحتفال واللحظات التي يغمرها الفرح والسعادة بوجود من نحب. تلاشت تفاصيل اشتقنا إليها وأناس كانوا سبب جمعنا. وإلى جانب ذلك، فقد اختلفت أمور كثيرة فأصبحت البهجة بعيدة عن الكثير من البيوت، بسبب غياب عاداتنا وتقاليدنا المبهجة، وانتشار التغيرات والتطورات التي تطرأ يومياً على حياتنا. وعلى الرغم من كل تلك الاختلافات بين الماضي والحاضر إلا أن القلة القليلة الآن يحافظون على العادات والتقاليد والطقوس المتعارف عليها في العيد.

فنحن اليوم نفتقد للبساطة والهدوء، نفتقد الذهاب لمنزل جدي من بداية الصباح، أما الآن فقد تغيرت الموازين، وأصبح يوم العيد يقضى في المنازل تجنباً للتزاحم في الأماكن العامة،

ونفتقد حتى لرائحة الحلويات، التي كانت تصنعها جداتنا وأمهاتنا في ليلة العيد، وأصبح الجاهز أسهل وأرخص للشراء، وليتها أيام تعود. فقد لا يصدقني البعض، ولكن كانت للعيد رائحة مبهجة تسري في عبير الصباح تثير فينا مشاعر خاصة فقط لا نشعر بها إلا يوم العيد.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الخميس 11 أبريل  2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى